الاثنين، 18 مايو 2015

سلسلة (صناعة التركيز) - سلسلة تهدف إلى بيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحلقة الأولى (المقدمة)

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام والقرآن والمال والأهل والمعافاة، الحمد لله على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وسيد ولد آدم أجمعين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يبحث كثير من الناس عن النجاح والتأثير وغالبا ما يسألون عن سرّ هذا النجاح والتأثير ويبحثون عن الأدوات التي تحقق ذلك. ولقد تكلم الكثيرون عن أسرار النجاح والتأثير ووضعوا لذلك أمورا كثيرة لعل أبرزها وجود رؤية وأهداف واضحة والإدارة الناجحة للذات والوقت وغيرها من الأمور، ولا شك بأن هذه العوامل هامة جدا في تحقيق النجاح. ولكنني وجدت أمرا معينا يشترك فيه أغلب بل كل الناجحين والمؤثرين، هذا الأمر لم يتكلم عنه الكثيرون مع أنهم قد يشيرون إليه أحيانا أو قد يُفهَم من كلامهم أحيانا. هذا الأمر أعتبره عاملا أساسيا بل من مقدمات النجاح الأساسية. هذا العامل هو التركيز.
المتأمل في حياة العظماء والناجحين يجد بأنهم قد ركزوا في الغالب على أمر معين وبذلوا أوقاتهم كلها لتحقيق هذا الأمر، وكانت نتيجة هذا التركيز تطوير مجال معين أو ابتكار شيء جديد وفي الخلاصة تحقيق إنجازات متتالية خدمت أمة من الأمم أو خدمت البشرية جمعاء.
إنني أسعى من خلال هذه السلسلة والتي أسميتها ب(صناعة التركيز) أن أغرس مفهوم التركيز في حياتنا لكي نساهم جميعا في خدمة الوطن ونهضة الأمة، ومن قبل ذلك، تطوير أنفسنا.
ولقد وجدت أن الحاجة ضرورية لطرح هذا المفهوم في هذه الفترة خاصة أننا في زمن التخصصات، والذي يسعى للتأثير لابد له من التركيز في جانب معين حتى يبدع فيه ويخدم وطنه وأمته من خلال هذا الجانب.

أسأل الله تعالى أن يوفقني لطرح هذه السلسلة وأن يرزقنا جميعا الإخلاص في القول والعمل وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثانية (تعريف التركيز)

الحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أرحب بكم في هذه الحلقة الجديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي أهدف من خلالها إلى بيان كيفية التركيز في حياتنا لأنني على يقين بأن التركيز الإيجابي طريق إلى النجاح بإذن الله تعالى.
دعونا نستعرض في هذه الحلقة تعريف التركيز وما تحتويه من معان ودلالات. لا شك أن لكل مصطلح تعريفات متعددة، وسعيت جاهدا لإيجاد تعريف سهل وبسيط للتركيز، فدعوني أشارككم هذا التعريف الذي اخترته. التركيز هو القدرة على توجيه التفكير إلى أي اتجاه يخطط الشخص له.
إذا تأملنا في التعريف السابق، نجد العناصر التالية: القدرة، التفكير، التخطيط. وقبل أن أقف على العناصر وبعض من دلالاتها أريد أن أؤكد بأن أي أمر يريده الشخص أن يكتسبه في هذه الحياة هو عبارة عن قرار، فالذي يقرّر أن يركّز سيركّز أو على الأقل سيسعى إلى التركيز والذي لا يريد التركيز لن يستطيع.
الذي يريد أن يركز يجب عليه أن يملك القدرة على ذلك، والقدرة تنبع أساسا من داخل الشخص، فالشخص الذي يقرر أنه سيفعل الشيء الفلاني ويسعى لذلك، سيقدر عليه بإذن الله تعالى.
والملاحظ كذلك في التعريف بأن الشخص المركّز يوجّه تفكيره إلى شيء معين وبالتالي هو من يقوم بذلك وليس شخص آخر يقوم بالنيابة عنه.
الذي أريد أن أوصله من خلال هذه الحلقة أن التركيز عبارة عن قرار يتخذه الشخص، فإذا أراد النجاح والتميز والتأثير فالتركيز أحد أساسيات هذه الأمور، أما إذا أراد العيش على هامش الحياة فله القرار كذلك.
مع تأملات أخرى في معنى التركيز في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، إلى ذلك الحين، أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد وأن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثالثة (من معاني التركيز - التخطيط)

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لك الحمد يا ربنا على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
تناولنا في الحلقة السابقة معنى التركيز والذي ذكرنا بأنه القدرة على توجيه التفكير إلى أي اتجاه يخطط الشخص له. ودعونا اليوم نكمل بعض المعاني في هذا التعريف.
تبرز هنا معنى هام في التعريف وهو معنى التخطيط. التخطيط هام جدا لكل من أراد النجاح والتأثير في الحياة. فالشخص الذي يريد التركيز عليه أن يخطط أولا لشيء ما ثم يركّز على هذا الشيء لتحقيقه.
ولعلي أضرب بذلك بعض الأمثلة البسيطة، فالإمام البخاري مثلا، خطّط لجمع الأحاديث الصحيحة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم ركّز على هذا الأمر وأخرج للأمة صحيح البخاري.
الإمام الطبري، خطّط لتفسير القرآن الكريم، فركّز على ذلك الأمر، فأخرج للأمة تفسير الطبري. وكذلك في مجال العلوم، فأغلب العلماء خططوا لأمر معين في مجالهم فركّزوا عليه ومن ثم أنتجوا، واقرؤوا إن شئتم في سيرة جابر بن حيان في علم الكيمياء، والحسن بن الهيثم في علم البصريات، وابن النفيس في الدورة الدموية وغيرهم الكثير والكثير.
وحتى في عالمنا الحديث، فالذي ينظر في سيرة ستيف جوبز والذي ارتبط اسمه بالآي فون والآي باد وغيره من هذه التقنيات، تجد بأنه خطط لهذا الأمر وركز عليه، فأخرج للعالم هذه الإنجازات.
التركيز مرتبط بالتخطيط، ونتيجة هذا الأمر هو الإنجاز تلو الإنجاز. والقارئ لسير العظماء عبر التاريخ يجد بأنهم ركزوا على أمر معين خططوا له.
إذا القرار في النهاية لنا، بأننا إذا أردنا النجاح والإنجاز، فعلينا بالتركيز في مجال معين، ولا ننسى بأن نسأل الله تعالى التوفيق فهذا هو الأساس ومن ثم يأتي العمل الجاد وبذل الجهود لتحقيق الأهداف.
مع تأملات أخرى في صناعة التركيز في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، إلى ذلك الحين، أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد وأن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الرابعة (التركيز السلبي)

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
لازلنا نتجول حول بعض المعاني المستفادة من تعريف التركيز والذي ذكرنا بأنه القدرة على توجيه التفكير إلى أي اتجاه يخطط الشخص له.
من الضروري الإشارة بأن التركيز يمكن أن يكون إيجابيا ويمكن أن يكون سلبيا، لأن الشخص هو صاحب هذا القرار، فالذي يخطط لأمر إيجابي سوف يوجه تفكيره لهذا الأمر وبالتالي يكون تركيزه إيجابيا والأمر كذلك بالنسبة للتركيز السلبي.
ولنضرب أمثلة على التركيز السلبي حتى تتضح الصورة أكثر. اللص مثلا، أليس له هدف أو أهداف يسعى لتحقيقها؟ ألا يسعى مثلا لأن يكون غنيا أو يحصل على أشياء ثمينة؟ وبالتالي سيركز على تحقيق هذه الأهداف والنتيجة تركيز سلبي.
ومن التاريخ أيضا هناك أمثلة، ولعله يحضرني مثال القائد المغولي جنكيز خان، والذي وضع نصب عينيه تحقيق هدف السيطرة على العالم، فركّز على تحقيق هدفه ولكن بصورة سلبية بحيث يقضي على كل البشر الموجودين في طريقه واقرؤوا تاريخ التتار إن شئتم.
هتلر، الزعيم الألماني النازي، اتبع طريقة جنكيز خان في التركيز السلبي، فأدخل العالم في حرب عالمية راح ضحيتها الملايين من الأبرياء. والأمثلة على ذلك كثيرة.
وتكمن المشكلة بأن هذا الصنف من الناس يبذلون جهودا ضخمة في سبيل تحقيق أهدافهم ولكن للأسف بالطريقة الخطأ. ولو وُضعت هذه الجهود في خدمة البشرية لحققوا إنجازات ضخمة ولاستفادت البشرية منهم.
على الشخص أن ينظر دائما في هدفه، هل هو إيجابي أو سلبي؟ وبناء عليه سيكون تركيزه إيجابيا أو سلبيا.
أسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الخامسة (أهمية التركيز - الإنجاز)

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
دعونا نبدأ في هذه الحلقة بذكر أهمية التركيز بالنسبة للشخص، وقد يسأل هنا سائل، لماذا تقديم الأهمية على الكيفية؟ فنقول بأن الشخص سيفعل الشيء إذا اقتنع فيه، وبالتالي فإن بيان الأهمية هنا لغرس قيمة التركيز في الشخص.
لماذا التركيز هام في حياتنا؟ أو دعونا نقل، لماذا التركيز هام لكل من يريد التأثير والإيجابية؟ من الأسباب الرئيسة التي أجدها إجابة على هذا السؤال، الإنجاز.
التركيز سبب مباشر للإنجاز، ليس فقط الإنجاز لمرة واحدة، وإنما الإنجاز المتتالي. الشخص الذي سيركّز في حفظ القرآن الكريم سيحقق ذلك، وقد يتطور الأمر بعد الحفظ إلى التمكّن من التجويد ومخارج الحروف وغير ذلك.
الشخص الذي يركّز في الإدارة، تجده يطور نفسه باستمرار بالاطلاع على أفضل وأحدث الأساليب في الإدارة، وقد يتطور الأمر إلى إلقاء دورات وتأليف كتب وإعطاء استشارات في الإدارة.
وكذلك الأمر للذي يركز في التربية، فتجده يتابع آخر الدراسات والبحوث في التربية، ويقوم بإعطاء استشارات ودورات ومقالات في التربية.
المتأمل في التاريخ القديم والحديث يجد بأن المنجزين يركزون على أمر معين وينجزون فيه بعد ذلك منجزات كثيرة، وحتى في مجال الاختراعات العلمية، تجد بأن المخترع لا يتوقف على اختراع واحد وإنما يسعى لاختراعات كثيرة.
الإنجاز شيء رائع ويسعى إليه أغلب الناس، ووسيلة هامة للوصول إليه هي بالتركيز في مجال معين.
إن الأمة الإسلامية بحاجة إلى المنجزين في جميع المجالات، وبالتالي علينا أن نسعى جاهدين لكي نكون أحد هؤلاء حتى نساهم في نهضة أوطاننا وأمتنا.
مع نقاط أخرى في أهمية التركيز في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، إلى ذلك الحين، أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد وأن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة السادسة (أهمية التركيز - الإبداع)

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أنعم علينا بنعم كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى، فله الحمد سبحانه على جميع نعمه الظاهرة والباطنة، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وسيد ولد آدم أجمعين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
بدأنا في الحلقة السابقة في الحديث عن أهمية التركيز بالنسبة للشخص، وذكرنا بأن التركيز سبب للإنجاز الذي يطمح إليه الكثير من الناس. وفي هذه الحلقة، نقف مع سبب آخر أشعر بأنه نتيجة هامة كذلك من نتائج التركيز، ألا وهو الإبداع.
الإبداع في أسهل تعريفاته هو عملية الإتيان بجديد، وإذا تأملنا في أسباب الإبداع، نجد بأنها كثيرة، ولكنني أجد بأن التركيز على رأس هذه الأسباب. لماذا؟ لأن المركّز في الغالب سيحاول أن يطوّر في المجال الذي اختاره، وكنتيجة طبيعية لهذا التطوير، سيظهر الإبداع في هذا المجال.
تأملوا مثلا في شركات صناعة السيارات، تجدوا بأنه في كل سنة، تظهر مزايا جديدة للسيارة عن السنة التي قبلها وأحيانا تنتج سيارات جديدة. ألا يُعد ّذلك إبداعا؟ والسؤال الهام هنا، لماذا هذا الإبداع؟ نجد بأن أحدى الأسباب الرئيسة لذلك أن هذه الشركات ركّزت في هذه المنتجات وكان الإبداع نتيجة طبيعية لهذه التركيز.
وهذا الأمر ينطبق كذلك في عالم الحواسيب والهواتف المتحركة والبرمجيات والآلات المختلفة، وفي كل يوم نجد عدة إعلانات في الوسائل المختلفة عن أشياء وإضافات إبداعية جديدة في الآلات المختلفة.
وإذا نظرنا أيضا إلى حياة علماء المسلمين، نجد هذا الإبداع موجودا أيضا، ولنأخذ مثالا واحدا وهو علم الحديث، وتأملوا في كثرة الكتب الموجودة في علم الحديث في موضوعات مختلفة ومتنوعة. الحديث واحد ولكن طريقة عرضه يختلف من كتاب إلى آخر. أدى التركيز في هذا العلم إلى إبداع جديد.
المبدعون في العالم اليوم كثر، وفي الأمة الإسلامية كذلك يوجد مبدعون كثيرون، ولكننا نحتاج إلى مزيد منهم في جميع المجالات حتى تتطور كل دولة في جميع المجالات وتكون النتيجة نهضة وتطوير الأمة الإسلامية ككل. ولا شك بأن إحدى الأسباب الرئيسة لذلك هو التركيز.
مع نقاط أخرى في أهمية التركيز في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، إلى ذلك الحين، أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد وأن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة السابعة (أهمية التركيز - الإدارة الناجحة للذات)

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الموفّق إلى كل خير، الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
تحدثنا في حلقات سابقة عن أهمية التركيز وذكرنا أنه سبب لتحقيق الإنجاز، وسبب للإبداع. واليوم نقف مع سبب آخر أشعر كذلك بأنه نتيجة هامة كذلك من نتائج التركيز، ألا وهي القدرة على الإدارة الناجحة للذات.
التركيز سبب هام من أسباب الإدارة الناجحة للذات، وعندما نتحدث عن إدارة الذات فإننا نقصد بذلك إدارة الوقت وتنظيمها والتخطيط ووضع الأهداف والتقييم وغيرها من المسائل.
والسؤال هنا، كيف يساعد التركيز على الإدارة الناجحة الذات؟ والجواب على ذلك أن المركّزين يضعون لأنفسهم أهدافا واضحة لتحقيقها وبالتالي فهو يخططون وينظّمون أوقاتهم. هذا بالإضافة إلى رؤية واضحة لما يريدون الوصول إليه، وبالطبع هناك تقييم دائم لمدى تحقق الأهداف. وهذه هي الإدارة الناجحة للذات.
عندما نتأمل في سير العظماء والناجحين، نجد بأن إدارتهم للذات كانت عالية، ولولا هذه الإدارة الناجحة لما تحققت هذه الإنجازات. ولعل أحد أهم الأسباب بأن قام هؤلاء بالتركيز في مجال ما، ونتج عن هذا التركيز هذه الإدارة الناجحة للذات.
مهما حاول الشخص أن يدير ذاته بنجاح، فلن يستطيع حتى يضع أهدافا ورؤى واضحة، بدون هذه الأهداف والرؤى، لن يستطيع إدارة وقته بفعالية، وهذه الأهداف والرؤى هي في النهاية شيء يركّز عليه الشخص.
إذا القاعدة الهامة هنا أن الإدارة الناجحة للذات تعني النجاح في الحياة، وسبب رئيسي لهذه الإدارة الناجحة هي بالتركيز.
أسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثامنة (التركيز في عالم الحيوانات)

الحمد لله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين وشكر عباده الحامدين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
لازلنا نتحدث في هذه الحلقات عن أهمية التركيز، والهدف من ذلك أن نغرس قيمة التركيز الإيجابي في حياة الشخص، فبدون ذكر الأهمية قد لا يقتنع الشخص بهذه القيمة الهامة.
واخترت الحديث اليوم عن أهمية التركيز في عالم الحيوان لنرى كيف تطبّق الحيوانات مهارة التركيز فيصلون إلى أهدافهم التي يريدونها. ولماذا الحديث عن عالم الحيوان؟ أولا، لأن الله تعالى أمرنا بالتفكّر في مخلوقاته لأخذ العبر والفوائد منها، وثانيا، إذا كانت هذه الحيوانات تستطيع تحقيق أهدافها بهذه الأمور فمن باب أولى أن نستطيع نحن بني البشر تحقيق أهدافنا ونحن نملك عقولا وباستطاعتنا التفكير والإدراك.
ودعوني أضرب بعض الأمثلة من عالم الحيوان. المثال الأول هو لطائران معروفان بالتركيز الشديد، النسر والصقر، فالذي يتابع هذين الطائرين وقت البحث عن الفريسة يجد التركيز الشديد وقت البحث وفي وقت الانقضاض على الفريسة لا يخطئان في الغالب. تركيز شديد نحو الهدف يؤدي إلى تحقيق نتائج باهرة.
المثال الثاني هما لحشرتين معروفتان كذلك بالعمل الجاد وبالتركيز كذلك، وهما النمل والنحل، والمتأمل في عالم النمل والنحل يجد تركيزا شديدا لتحقيق أهداف محددة، فالنمل يعمل بتركيز شديد لجمع الطعام لوقت الشتاء، وكذلك النحل لإنتاج العسل. تحقيق الإنجازات نتيجة طبيعية للتركيز.
إذا كانت هذه نتائج التركيز في عالم الحيوانات، فمن باب أولى أن يحصل بنو البشر على نتائج أكبر إن طبّقوا التركيز الإيجابي في حياتهم.
قال أحدهم: خلف كل نجاح تركيز! وخلف كل تركيز نجاح. التركيز هو المفتاح السحري الذي نملكه ولكننا قليلاً ما نستخدمه!
أسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة التاسعة (الإسلام والتركيز)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع نعمه الظاهرة والباطنة، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
لازلنا نتحدث في هذه الحلقات عن أهمية التركيز، وكما ذكرنا بأن ذكر أهمية التركيز يأتي لغرس لهذه القيمة في نفوسنا، فبدون معرفة الأهمية، لن نشعر بقيمتها.
كنت أتساءل دائما، هل حث الإسلام على التركيز؟ في الحقيقة، فبما أن هذه القيمة إيجابية، فلا شك أن الإسلام قد حث عليها وإن لم يذكرها باسمها، لأن الإسلام دين القيم الإيجابية.
وإن تأملنا في الأمور التي يحث عليها الإسلام نجد التركيز حاضرا فيها. تأملوا مثلا في الإخلاص. أليس الإخلاص عبارة عن تركيز للنية باتجاه معين، وهو أن تكون النية لله. أليس من شروط قبول العمل الإخلاص قبل وأثناء وبعد العمل؟ ألا يعني ذلك تركيز في جميع مراحل العمل؟.
مثال آخر وهو الخشوع في الصلاة. أليس أجر الصلاة يتوقف على الخشوع فيها؟ ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها". (رواه أبو داود والنسائي). ألا يعني هذا بأننا إذا أردنا الحصول على الأجر الكامل في الصلاة بأننا يجب علينا أن نخشع والذي هو في حقيقة الأمر عبارة عن تركيز.
مثال آخر وهو الدعاء. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم "ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاه".(أخرجه الترمذي وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة). ألا يعني ذلك أننا يجب أن نركّز في الدعاء؟ أليست الغفلة واللهو عكس التركيز وبالتالي فهما من أسباب عدم استجابة الدعاء؟ ألا يعني ذلك أن التركيز مطلوب في الدعاء؟.
والأمثلة على ذلك كثيرة. المهم أن ندرك بأن التركيز هام جدا في الإسلام وهي قيمة يحث عليها الإسلام في جميع مناحيه.
أسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة العاشرة (تمارين في التركيز)

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
وأنت تقرأ هذه الحلقة، أريد منك أخي القارئ في هذه اللحظة أن تبحث عن أي شيء حولك يوجد فيه لون أحمر، ماذا ستلاحظ؟ ستلاحظ أنك بدأت ترى اللون الأحمر في أشياء لم تكن تلاحظ فيها هذا اللون من قبل. لماذا؟ التركيز أدى إلى هذا الأمر.
أمر ثان أريد أن تفعله اليوم، وهو أنه عندما تقود سيارتك أو تكون في السيارة، ضع في بالك سيارة معينة ثم لاحظ كم سيارة من هذا النوع ستشاهد في الشارع في هذه الفترة. ستلاحظ أن عدد هذه السيارة أكثر أو أقل مما كنت تتوقع والسبب أنك ركّزت على هذا الأمر وبالتالي وصلت إلى هذه النتيجة.
والأمر الأخير الذي أريدك أن تفعله، أن تحسب عدد ضربات قلبك في الدقيقة الواحدة. ماذا سيحدث؟ ستركّز على عدد الضربات وتحسبها بالضبط حتى تصل إلى النتيجة المرجوة (الأفضل أن تكون بين 70 و 80 ضربة في الدقيقة).
من خلال هذه التمارين البسيطة، نستطيع أن ندرك بكل وضوح بأن التركيز يؤدي إلى نتائج واضحة ومحددة، وهكذا في حياتنا إذا أردنا تحقيق أهدافنا فعلينا التركيز عليها حتى نحققها. أهمية التركيز تكمن في أنها سبب للنجاح في الحياة وتحقيق الإنجازات والحصول على النتائج المرجوة بإذن الله تعالى.
اسأل الله أن يوفقنا إلى تحقيق أهدافنا وطموحاتنا وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الحادية عشرة (التركيز في الرياضة)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
نقف في هذه الحلقة مع أهمية التركيز في الرياضات المختلفة، لنرى هل التركيز مهم أم لا في الرياضة؟.
دعونا نبدأ بأشهر الألعاب، وهي كرة القدم، ولنتساءل هل التركيز مهم في كرة القدم؟ والجواب بالطبع نعم، فالفريق الذي يريد الفوز عليه التركيز في المباراة لتحقيق هدفه، والمهاجم الذي يريد تسجيل الأهداف عليه التركيز لتحقيق هدفه، والمدافعون والحراس الذين يريدون أن لا يدخل مرمى فريقهم أي هدف، عليهم التركيز لمنع الفريق التالي من ذلك. إذا الخلاصة، كرة القدم تركيز في تركيز.
أما في كرة السلة، فأعتبرها شخصيا من أهم الرياضات التي تزرع التركيز في الشخص ، وذلك لأن اللاعب يحتاج إلى تركيز شديد لتسجيل النقاط وكذلك لمتابعة لاعبي الخصم ومنعهم من تسجيل النقاط.
وكذلك في ألعاب القوى، فالتركيز هام جدا لتحقيق الفوز، سواء في الجري في المسافات المختلفة، أو في القفز ورمي الجلة ورمي الرمح وغيرها من الألعاب. تأملوا في اللاعبين وستجدون تركيزا شديدا قبل بداية أية لعبة.
ومن الألعاب التي تحتاج إلى تركيز شديد، لعبة الرماية وهي كذلك من الألعاب التي تعلّم الشخص التركيز، حيث الهدف واضح ومحدد وكلما ركّز الشخص أكثر، كانت إمكانية تحقيق أهدافه أكثر.
وتنطبق أهمية التركيز كذلك في الألعاب الأخرى من كرة الطائرة واليد والسباحة والبولنج والفروسية وغيرها.
التركيز هام في جميع الأمور والرياضيون يدركون ذلك جيدا، وهو سبب أساسي في تحقيق الأهداف والنجاح في الحياة.
اسأل الله أن يوفقنا إلى تحقيق أهدافنا وطموحاتنا وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثانية عشرة (كيفية التركيز - اتخاذ القرار)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
أبدأ في هذه الحلقة في الحديث عن كيفية التركيز أو ما هي الخطوات العملية التي تساعدنا على التركيز في أي من الأمور؟.
هناك كثير من الخطوات التي يمكن أن يفعلها الشخص، ولكن الصعوبة تكمن في ترتيب هذه الخطوات، بمعنى أي الخطوات هي الخطوة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة وهكذا، وفي الحقيقة، يصعب ترتيب هذه الخطوات لأن كل الخطوات مترابطة وتؤدي كل منها إلى الأخرى، ومتى ما اختلت إحداها أثّر ذلك في التركيز الذي نريده.
في وجهة نظري، فإن الخطوة الأولى لكيفية التركيز هو اتخاذ القرار، بمعنى أن يتخذ الشخص قرارا داخليا جادا بأنه سوف يركّز في أمر ما ولتحقيق هدف ما. هذا القرار هو البداية، وبدون هذا القرار لا يستطيع الشخص أن يفعل أي شيء.
والمتأمل في حياة العظماء، يجد بأنهم قبل أن يحققوا أهدافهم وإنجازاتهم، قرّروا تحقيق هذا الإنجاز وأتبعوا ذلك بالخطوات العملية. فقرار الشخص بأن يركّز يكسر جزءا كبيرا من الحاجز الداخلي الذي يحول بين الشخص وبين التركيز. فالقرار الداخلي هو عبارة عن رسائل ذاتية يبعثها الشخص إلى نفسه بأنه قد بدأ أمرا ما وعلى النفس الاستعداد لهذا الأمر. ولا شك بأن القرار ينبغي أن يكون إيجابيا حتى يؤدي الغرض منه.
ويستطيع أي شخص أن يدّعي بأنه قد أخذ هذا القرار، ولذلك فقد ذكرنا أن القرار يجب أن يكون قرارا جادا، لأن هذه الجدية هي العلامة التي ستبين صدق هذا القرار من عدمه، وإحدى علامات هذه الجدية، الخطوات العملية التي تتبع هذا القرار والتي سنتحدث عنها في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى.
التركيز مع أنه نشاط عقلي بالدرجة الأولى، فإنه يحتاج إلى جهد وبذل أكثر من أنشطة بدنية كثيرة، وبالتالي فإن كثيرا من الناس يبتعدون عنه – للأسف- وهذا يفسّر قلة الناجحين والمؤثرين على مدى التاريخ.
نسأل الله تعالى أن نكون من هذه القلة التي تنجح وتتميز في الدنيا وتفوز برضوان ربها في الآخرة، وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثالث عشرة (كيفية التركيز - وضوح الرؤية)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
لازلنا في الحديث عن كيفية التركيز، وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن أولى الخطوات في التركيز وهي مسألة القرار.
وفي هذه الحلقة، سنتحدث عن وسيلة أخرى من الوسائل التي تساعد على التركيز، وهي وضوح الرؤية.
الرؤية في تعريف بسيط لها هي "ماذا أريد أن أكون في المستقبل؟" وبالتالي فوجود هذه الرؤية تحدد بشكل كبير مسار الشخص في حياته – بالطبع إن كان جادا - .
وضوح الرؤية الشخصية من أهم الأمور التي تساعد على النجاح في الحياة، والأشخاص الذين لديهم رؤية واضحة بمعنى أنهم يعرفون في اتجاه يسيرون وما الذي يريدون الوصول إليه، أشخاص ناجحون في أغلب الأحيان، وبطبيعة الحال، فمعنى التركيز موجود في حياتهم.
مثلا، الذي عنده رؤية بأن يصبح من المخترعين المميزين في المنطقة، سوف يركّز في هذا المجال ويطوّر نفسه لكي يصل إلى هذا الهدف. والذي عنده رؤية لكي ينال جائزة في التميز مثلا على مستوى العالم، سوف يركّز جهوده في هذا الاتجاه حتى يصل إلى هذا الهدف وهكذا.
والمتأمل في حياة العظماء يجد بأن رؤاهم كانت واضحة وبالتالي استطاعوا الوصول إليها، ولعل من الأمثلة المشهورة في ذلك، السلطان العثماني محمد الفاتح، والذي كانت لديه رؤية واضحة لفتح القسطنطينية فبذل لأجلها الأسباب والخطط حتى فتح الله المدينة على يديه.
ويُفضّل دائما كتابة الرؤية ووضعها في مكان بارز حتى يتذكرها الشخص دائما ويعمل على تحقيق ما يهدف إليه.
وجود الرؤية الواضحة وسيلة هامة من وسائل كيفية التركيز وبدونها سوف يفقد الشخص كثيرا من التركيز في حياته.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى تحقيق أهدافنا وطموحاتنا وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الرابع عشرة (كيفية التركيز - وضع الأهداف)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
نتحدث في هذه الحلقات عن كيفية التركيز، ونسعى بقدر الإمكان عرض خطوات واضحة وعملية في سبيل الوصول لهذه الكيفية، وتحدثنا في الحلقتين السابقتين عن أمريين هامين وهما القرار ووجود الرؤية.
الخطوة الطبيعية الثالثة هي ترجمة هذه الرؤية إلى أهداف. فالرؤية يجب أن تتحول إلى خطوات عملية لتحقيقها وإلا فمجرد وجود الرؤية لا فائدة منها لأنها تبقى مجرد أحلام.
عندما يحدد الشخص أهدافه بناء على الرؤية التي وضعها يكون قد وضع قدمه على طريق التركيز، ولنأخذ على ذلك مثالا. لنفترض أن أحد الأشخاص لديه رؤية بأن يصبح قائدا لمنظمته، وبالتالي فإن عليه أن يضع أهدافا واضحة لتحقيق هذه الرؤية مثل حضور دورات عن القيادة وقراءة كتب عن القيادة وأخذ المبادرات والمشاركة في صنع القرارات وتكوين العلاقات وغيرها من الأمور التي تساعده بأن يكون قائدا فعّالا. فوجود هذه الأهداف يساعد على تحقيق هذه الرؤية.
وإذا أردنا أن نضرب مثالا من التاريخ، فدعونا نأخذ السلطان العثماني محمد الفاتح والذي تحدثنا عنه في الحلقة السابقة بأنه كانت لديه رؤية واضحة لفتح القسطنطينية، ولترجمة هذه الرؤية إلى واقع عملي، قام بوضع أهداف واضحة لتحقيق هذه الرؤية فقام بتجهيز جيشه ودرس عدوه ودرس القسطنطينية واستعان بالعلماء والخبراء ووضعا خططا عدة للهجوم حتى فتح الله المدينة على يديه.
وأيضا ينبغي أن يتذكر الشخص دائما بأن التوفيق أولا وأخيرا من الله تعالى، ولكن هذا التوفيق لا يأتي إلا بذل الشخص جهده وأخذ بالأسباب وهذه الأسباب هي الأهداف الموضوعة.
الأهداف الواضحة – والتي تُفضّل أن تكون مكتوبة- وسيلة هامة بل ضرورية من وسائل كيفية التركيز، ولا يُتصور أن ينجح شخص بدون وجود هذه الأهداف.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى تحقيق أهدافنا وطموحاتنا وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الخامس عشرة (كيفية التركيز - ترتيب الأولويات)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
لازلنا نتحدث في هذه الحلقات عن كيفية التركيز، وبعد أن ذكرنا ثلاث وسائل للتركيز وهي القرار والرؤية والأهداف، نتحدث عن الخطوة الرابعة وهي ترتيب الأولويات.
بعد أن قام الشخص بوضع رؤيته وأهدافه، تبرز مسألة هامة وهي أن الشخص بطبيعة الحال له أدوار عديدة في الحياة، ونقصد بالأدوار ما يمارسه الشخص في حياته، فقد يكون هذا الشخص أبا أو زوجا وبالتالي فإن عليه واجبات أسرية. وقد يكون قائدا أو مديرا، وبالتالي فإن عليه واجبات قيادية وإدارية، وبالطبع لديه مجموعة من الأرحام والأصدقاء وبالتالي فعليه واجبات اجتماعية، فما الحل إذا؟
الحل هو بترتيب أولوياته وإعطاء كل ذي حق حقه، وترتيب الأولويات يعني تقديم الأهم على المهم كل في وقته المناسب. ففي وقت الصلاة مثلا، تُقدّم الصلاة على كل شيء، وفي وقت العمل يُقدّم العمل على كل شيء، وفي وقت صلة الأرحام، تقّدم على كل شيء، ولا نتحدث هنا عن الاستثناءات ولكن الصورة العامة.
والشخص الذي يريد أن يركّز لتحقيق رؤيته وأهدافه يجب عليه أن يرتّب أولوياته بشكل منتظم ويضع الأمور التي تحقق رؤيته مع الواجبات التي يجب أن يؤديها في كأولويات بالنسبة له، فإذا تعارض أي أمر آخر مع هذه الأولويات، قدّم هذه الأمور.
وتحتاج مسألة ترتيب الأولويات إلى بعض التضحيات وهذا أمر لابد منه، لأن التركيز بطبيعة الحال عملية ليست بالسهلة وعبارة عن تحدّ وبالتالي يحتاج إلى تضحيات في بعض الأمور. ولكن النتيجة الأكيدة لترتيب الأولويات هي النجاح بإذن الله تعالى إن قام بترتيب أولوياته بطريقة صحيحة.
ومسألة ترتيب الأولويات يحتاج إلى مشاورة أهل الخبرة وقراءة الكتب بالإضافة إلى الخبرة العملية حتى تؤتي ثمارها، والمسألة الهامة هنا، أن كل شخص تختلف أولوياته عن الآخر تبعا لأدواره في الحياة حتى لو كان لدى الشخصين نفس الرؤية، وبالتالي لا ينبغي نسخ الخطة من الغير.
ترتيب الأولويات خطوة هامة من خطوات التركيز، والمتأمل في حياة الناجحين نجد بأهم قد رتّبوا أولوياتهم بطريقة مناسبة فاستحقوا النجاح في حياتهم.
نسأل الله تعالى أن يوقفنا لتحقيق أهدافنا وأن نكون من الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة السادس عشرة (كيفية التركيز - الإصرار)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
نحن في هذه الحلقات نتحدث عن كيفية التركيز ولعل هذه هي الجزء الأهم في هذه السلسلة حيث إن الناس يطلبون في غالب الأحوال الكيفية التي يستطيعون فيها فعل الأشياء.
وقد تحدثنا إلى الآن عن أربع وسائل في كيفية التركيز وهي القرار والرؤية والأهداف وترتيب الأولويات، ونتحدث عن الخطوة الخامسة وهي الإصرار.
الإصرار عنصر ضروري لنجاح أي عمل، وبالتالي فوجود هذا العنصر في كيفية التركيز هام جدا، كيف لا والتركيز يحتاج إلى جهد ضخم وعمل متواصل، وبالتالي فإذا لم تتوفر هذه الصفة، فقد لا يستطيع الشخص الاستمرار بالتركيز في أهدافه، خاصة أن عوائق التركيز كثيرة.
الإصرار صفة لكل العظماء على مر التاريخ في القديم والحديث، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة حيث كان عظيم الإصرار، وكان صلى الله عليه وسلم ذو هدف واضح وهو إبلاغ البشرية دين الله عز وجل وبالتالي كان يركّز على هذا الهدف، ووضع جُلّ حياته صلى الله عليه وسلم لتحقيق هذه الهدف وأصرّ عليها رغم كل الظروف الصعبة التي واجهته، وقد نجح صلى الله عليه وسلم في إكمال مهمته بنجاح تام كما قال سبحانه: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً" (المائدة 3).
ثم جاء من بعده أناس كثر جعلوا الإصرار منهجهم، فنجحوا في تحقيق أهدافهم، ولعلي أضرب مثلا في شخص حقق هدفا سيئا، ولكنه كان يتصف بإصرار شديد على تحقيق هدفه، وحريّ بنا ونحن نسمع بمثل هذه الأمثلة والتي لها أهداف سيئة وباطلة في الأساس، أن نتحرك ونصرّ على أهدافنا الجيدة والمشروعة.
الذي أريد أن أضرب به المثل هو تيودور هرتزل مؤسس دولة إسرائيل في فلسطين المحتلة – طهّرها الله تعالى من رجس اليهود – فمن يقرأ في سيرة هذا الرجل يجد إصرارا عجيبا وكبيرا في سبيل بناء وطن قومي لليهود، وبعد جهد خرافي استطاع تحقيق هدفه في فلسطين في غفلة من المسلمين في ذلك الوقت.
المهم لنا نحن أن نأخذ العبر، وكما ذكرت بأن مثل هذه الأمثلة ينبغي أن يدفعنا نحن للإصرار في تحقيق أهدافنا حتى ننهض بالأمة الإسلامية بإذن الله تعالى.
الإصرار عنصر هام من عناصر التركيز، وبدونه لا يمكن أن يستمر التركيز وبالتالي لا يمكن أن يتحقق النجاح المتواصل والمستمر. اسأل الله أن يوفقنا إلى تحقيق أهدافنا وطموحاتنا وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة السابع عشرة (كيفية التركيز - طلب التوفيق من الله تعالى)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
لازلنا نتحدث عن الوسائل التي تؤدي إلى التركيز وقد تحدثنا إلى الآن عن خمس وسائل هي القرار والرؤية والأهداف وترتيب الأولويات والإصرار، وفي هذه الحلقة نتحدث عن الخطوة السادسة وهي طلب التوفيق من الله تعالى.
ولعل هذه الخطوة هي أهم وسيلة على الإطلاق، لأنه بغير توفيق الله تعالى لا يتحقق النجاح بالمعنى الحقيقي أو فلنقل بإن الشخص قد يحقق نجاحا دنيويا فقط كما هو حال غير المسلمين ومن هم بعيدون عن الله تعالى من المسلمين، ولا يتحقق لهم النجاح الأهم وهو النجاح الأخروي.
ما الذي يطمح إليه الشخص في النهاية من كل هذا التركيز؟ هذا السؤال رغم بساطته إلا أنه هام جدا، فإذا لم يرد الشخص رضوان الله تعالى وجنته، فليس هناك أية فائدة من كل هذا الجهد والتركيز لأنه سيعود في النهاية بشكل سلبي على الشخص.
المؤمن الحق هو الذي يضع الآخرة نصب عينيه مع وجود الطموح الدنيوي بالتميز والنهضة. وحتى يتحقق ذلك لابدّ من توفيق الله تعالى للعبد. وتأملوا في هذا الحديث الجميل الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: "من كان همّه الآخرة، جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت همّه الدنيا فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له" رواه الترمذي وصححه الألباني. أليست جملة (جمع الله له شمله) فيها دلالة على التركيز وفي الجانب المقابل (فرّق الله عليه أمره) فيها دلالة على التشتّت. ألا يعني ذلك بأن توفيق الله تعالى للشخص بسبب رغبة الشخص للآخرة سبب للتركيز.
طلب التوفيق من الله تعالى أمر ضروري في كلّ أمر، فما بالكم في رؤية يسعى الشخص لتحقيقها، أو في أهداف محددة يسعى الشخص لتحقيقها، والمتأمل في السيرة النبوية المطهّرة وفي حياة العظماء من المسلمين يجد بأن هذا المعنى حاضر في جميع أمورهم، ومتى ما سعى أحد منهم إلى تحقيق أهدافه، طلب قبل وأثناء وبعد عمله توفيق الله تعالى.
وليحرص كل من أراد النجاح في الدنيا والآخرة على اتخاذ هذا الشعار الرباني "وما توفيقي إلا بالله" لأن الله تعالى هو الموّفق أولا وأخيرا، ولكن لحصول هذا التوفيق، لابد من العمل الجاد وبذل الجهد.
اسأل الله أن يوفقنا إلى تحقيق أهدافنا وطموحاتنا وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثامن عشرة (عوائق التركيز - عدم وجود الرؤية)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
تحدثنا في الحلقات الماضية عن وسائل تعين على كيفية التركيز، ولن تكتمل الصورة حتى نتحدث عن عوائق التركيز، لأنّ هذه العوائق تحول بيننا وبين التركيز وبإزالتها تزيد التركيز وهذا ما نتطلّع إليه.
وفي حقيقة الأمر فإن عدم تحقيق كل وسيلة ذكرناها في كيفية التركيز تُعتبر عائقا، ولكننا سنشير إلى بعض منها للتأكيد على أهميتها.
أكبر هذه العوائق هي عدم وجود رؤية وأهداف واضحة للشخص، فعدم وجود رؤية وأهداف يعني عدم التركيز على أي شيء أو بمعنى أدق تخبّط في الحياة.
تخيلوا معي منظمة تسير بدون رؤية وأهداف، وبالتالي لن يعرف قيادة وأعضاء هذه المنظمة ماذا يريدون بالضبط وإلى أي شيء يريدوا أن يصلوا؟ بل لن يعرفوا إذا كانوا ربحوا أو خسروا؟ كل ذلك بسبب عدم وجود الرؤية والأهداف الواضحة.
ونفس الأمر ينطبق على صعيد الأشخاص، فالشخص الذي ليست لديه رؤية وأهداف واضحة يسعى لتحقيقها في حياته، سوف يعيش في أغلب الأحوال في فوضى، وهؤلاء الأشخاص تراهم ينتقلون من مشروع إلى آخر في أحيان كثيرة لمجرد الحماس فقط، وأحيانا ليس بين هذه المشاريع أي ارتباط، ولا شك بأن النتيجة تكون فشلا في أغلب الأحوال. ولو لم تكن هذه المسألة هامة بل على قمة الأهمية، لما قامت الدول المتقدمة والشركات الرائدة والأشخاص المتميزون بوضع رؤى وأهداف واضحة لها، ولما قام الخبراء والمستشارون بإعطاء هذه المسألة أهمية كبرى في سبيل تحقيق أي نجاح وتقدم في أي مجال.
وقد سبق الإسلام هؤلاء جميعا بأن وضع هدفا واضحا لكل شخص في هذه الحياة حين قال سبحانه: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات 56)، فالذي يعيش في هذه الدنيا ولا يعرف هدفه، سوف يعيش في فوضى وتخبّط وقد يخسر كثيرا من درجات الجنة بل وقد يودي به الأمر إلى النار والعياذ بالله.
تأكيدنا على مسألة الرؤية والأهداف الواضحة ينبع من أن هذا الأمر سبب هام جدا للفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وبالتالي يحتاج كل شخص ليس لديه رؤية وأهداف أن يزيل هذا العائق حتى يدخل في نادي الناجحين والمؤثرين. نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والله الموفق إلى كل خير، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة التاسع عشرة (عوائق التركيز - التفكير السلبي)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
بدأنا في الحلقة الماضية في الحديث عن عوائق التركيز، والحديث عن العوائق هام لأن التغلب على العوائق طريق إلى التركيز الناجح، وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن أول العوائق وهو عدم وجود رؤية وأهداف واضحة.
العائق الثاني في طريق التركيز هو التفكير السلبي، ويمكن تعريف التفكير السلبي بشكل مبسط بأنه إرسال رسائل سلبية للنفس لأمر من الأمور بحيث يؤدي إلى نتائج سلبية. بمعنى أنه حين يرى الشخص شيئا معينا أو يريد أن يفعل شيئا معينا فإنه يفكّر مباشرة بشكل سلبي في هذا الأمر فيتوقع أمورا ونتائج سيئة في الحال فلا يقوم بتأدية هذا الأمر.
التفكير السلبي لن يساعد على التركيز بأي شكل من الأشكال لأن الشخص عندما يريد أن يفعل شيئا فإن الأفكار السلبية تأتي إليه مباشرة وبالتالي يتوقف عن تحقيق ذلك الأمر، فمثلا إذا أراد أن يقرأ كتابا مثلا فإنه قد يبدأ في القراءة ولكنه يفكّر مباشرة بشكل سلبي كأن يقول: ماذا سيقول الناس عني عندما يعرفون أنني أقرأ هذا الكتاب، أو ستضيع عليّ أعمال أخرى هامة إذا قرأت هذا الكتاب وهكذا يتوقف عن القراءة في النهاية، وفي حقيقة الأمر فإن معظم أو كل الأفكار السلبية عبارة عن أوهام يضعها الشخص لنفسه.
والحل لهذا الأمر يكمن في التفكير الإيجابي، ويدخل في التفكير الإيجابي التفاؤل وحديث النفس الإيجابي واليقين بما قاله الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فبهذا التفكير الإيجابي يستطيع الشخص التركيز بإذن الله تعالى.
التفكير السلبي عائق خطير من عوائق التركيز ومتى ما استقر هذا التفكير في الشخص فلن يستطيع تحقيق شيء مفيد، وبالتالي فمن أراد التركيز والتأثير والنهضة، فعليه بالتفكير الإيجابي دائما.
نسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة العشرون (عوائق التركيز - قبول أي أمر)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
لا زلنا نتحدث عن عوائق التركيز، وتحدثنا في الحلقتين الماضيتين عن عائقين وهما عدم وجود رؤية وأهداف واضحة والتفكير السلبي. واليوم سنتحدث عن العائق الثالث وهو قبول أي أمر.
وأقصد بذلك أن الشخص يقبل أي أمر يأتيه وهذا بلا شك سيسبب التشتت وعدم التركيز، وهذا يرجع في الأصل إلى عدم وجود أهداف واضحة للشخص وأيضا عدم جدية الشخص في تحقيق أهدافه.
وهذا الأمر يقع فيه كثير من الناس، فمثلا تجد الشخص يريد أن يقرأ كتابا، وعندما يبدأ بالقراءة، تأتيه مكالمة من أحد أصدقائه ليدعوه للخروج معه، فيوافق ويترك القراءة، ونحن لا نتحدث هنا عن أمر يحدث لمرة واحدة وإنما بشكل متكرر.
ونفس الأمر يحدث لكثير من الطلاب حينما يريدون المذاكرة، فتراهم حين يبدؤون المذاكرة تأتيهم المكالمات أو ينشغلون بالشبكة العنكبوتية والمواقع الاجتماعية، فلا يركزون في المذاكرة ولا المكالمات ولا غيرها.
والحل في هذا الأمر بسيط ويكمن في الجدية في تحقيق الهدف بحيث يحرص الشخص على إنجاز ما خططّ له دون أن ينشغل بأي أمر آخر يأتيه. وهناك دائما أمور هامة أو عاجلة قد تحدث وينبغي للشخص أن يلتفت إليها ولكن ليس هذا هو الأصل وتقّدر الأمور بقدرها.
قبول أي أمر يأتي يؤدي إلى عدم الإنجاز أو الإنجاز الضعيف وبالتالي ينبغي للشخص الحرص على ترتيب الأولويات دائما.
نسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الحادية والعشرون (عوائق التركيز - المؤثرات الخارجية)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
لا زلنا نتحدث عن عوائق التركيز، وتحدثنا في الحلقات الماضية عن ثلاثة عوائق وهي عدم وجود رؤية وأهداف واضحة والتفكير السلبي وقبول أي أمر. واليوم ستحدث عن العائق الرابع وهو المؤثرات الخارجية.
لا شك بأن العوائق الداخلية التي يتسبب بها الشخص نفسه هي الأساس في عدم التركيز، ولكننا كذلك لا يمكننا إغفال المؤثرات الخارجية والتي لا يمكن إزالتها بالكلية في بعض الأحيان ولكن يمكن التخفيف منها، ولعل هذه بعض الأمثلة على المؤثرات الخارجية التي تؤدي إلى قلة التركيز:
1) الضجيج، سواء في البيت أو بيئة العمل أو في الشارع، عائق رئيس من عوائق التركيز، والذي يريد أن يركّز يحتاج في غالب الأحيان إلى بيئة هادئة.
2) الفوضى قد تسبب أيضا في عدم التركيز، ولك أن تتخيل مثلا الشارع الذي تتداخل فيه السيارات من جميع الاتجاهات مما يسبب في فوضى عارمة، لاشك بأن التركيز سيكون صعبا.
3) المقاطعات التي تأتي من الآخرين للشخص، سواء كانت بشكل مباشر أو من خلال الهاتف أو من خلال وسائل التقنية الحديثة، تسبب كذلك في عدم التركيز. ويمكن للشخص التحكم في جزء من هذا الأمر ولكن قد تكون المقاطعات أحيانا خارجة عن إرادته.
4) العوارض الصحية التي قد تحصل للشخص قد تسبب كذلك في عدم التركيز، مع الأخذ في الاعتبار بأن الصبر على هذه العوارض يورث أجرا عند الله تعالى، ولكننا نتحدث في جانب التركيز حيث تسبب هذه العوارض فقدا للتركيز في غالب الأحيان.
5) البيئة التي تنتشر فيها الغضب والأصوات العالية لا تساعد كذلك على التركيز، وقد تكون هذه البيئة في المنزل أو العمل ولعلنا نشاهد هذا الأمر بوضوح في المباريات الرياضية التي تنتشر فيها هذه الأجواء، فيقل فيها التركيز بين اللاعبين إلى درجة كبيرة.
هذه بعض الأمثلة للمؤثرات الخارجية التي تؤثر في التركيز، وكما ذكرنا بأن هذه المؤثرات قد تكون خارجة عن إرادة الإنسان ولكنه يجب عليه الانتباه لها لأنها تؤثر عليه. ومتى ما وجد الشخص فرصة للتقليل من هذه المؤثرات أو إزالتها أو تجنبها في الأساس، فعليه أن يبادر لذلك لأن ذلك أدعى للتركيز.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثانية والعشرون (التركيز والتخصص)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
نتحدث في هذه الحلقة عن أمر متعلق بالتركيز وهو موضوع التخصص، وسأسعى أن أربط بين التخصص والتركيز.
في حقيقة الأمر، فالتخصص والتركيز وجهان لعملة واحدة، وإن كان مصطلح التخصص يُطلق بشكل أكبر على الدراسة الأكاديمية وبالتحديد المرحلة الجامعية وما يعقبها من دراسات عليا. وفي واقع الأمر، فإن التخصص الدراسي يساعد كثيرا على معنى التركيز في الحياة بمعنى أن الطالب يدرس موادا محددة في المجال الذي يختاره، وكلما تعمّق في طلب العلم – أي في المصطلح الحديث، تابع دراسته العليا – كلما ركّز أكثر في تخصصه.
والذي يهمنا من هذا الأمر هو معادلة التميّز، وقبل أن أبيّن هذه المعادلة، نقول بأن كثيرا من الناس لديهم تخصص دراسي وهوايات يمارسونها في حياتهم، والغالب بأن الهوايات تكون في مجال آخر غير التخصص الدراسي وهذا ليس أمرا سلبيا إذ يمكن للشخص أن يبرع في أكثر من أمر، كأن يدرس شخص المحاسبة كتخصص جامعي وتكون هوايته كتابة الشعر مثلا.
ولكن معادلة التميز هي أن يتوافق التخصص الدراسي مع الهوايات بمعنى أن يكون للشخص أمرا محددا يرّكز عليه في الحياة ويعطيه كل جهده، وباتباع هذه المعادلة تزداد الإنتاجية ويزيد الإبداع على المستوى الفردي والجماعي. فعلى سبيل المثال، يقوم شخص بدراسة الإعلام في الجامعة وفي نفس الوقت تكون هواياته إنتاج مواد إعلامية لتوعية الناس في أمور معينة. لا شك بأن إنتاجية هذا الشخص ستكون عالية في أغلب الأحيان.
المسألة هنا تحتاج إلى تربية وتوجيه من الصغر بحيث يقوم المربون بمعرفة ميول الشخص وتوجيهه لدراسة الشيء الذي يحبه، وبهذا الأمر سوف يتفوق الشخص في تخصصه الدراسي بالإضافة إلى جانب الإنتاجية الإيجابية في حياته.
المسألة واسعة وليست ضيقة، فكما ذكرنا بأن الشخص يستطيع أن يتخصص في أمر ويركّز على أمر آخر، ولكن التميز هو في موافقة التخصص للميول والهوايات.
نسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثالثة والعشرون (التركيز والموسوعية)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
هناك تساؤل قد يُطرح من قبل المتأملين للتاريخ الإسلامي وخاصة لحياة العلماء المؤثرين، وهو أنّ كثير من العلماء كانوا موسوعيين بمعنى أنهم تخصصوا في علوم كثيرة وقد برزوا وأبدعوا في معظم هذه العلوم، فكيف نقول بأن التركيز سبيل إلى النجاح وهؤلاء قد نجحوا رغم أنهم لم يركزوا على شيء معين؟
الإمام الطبري مثلا تخصص في التفسير والتاريخ وبرز فيهما بشكل واضح، وكذلك فعل ابن سينا الذي تخصص في الطب والفلسفة وهكذا مع كثير من العلماء السابقين.
وللرد على هذا التساؤل نقول بأن من استطاع التركيز على أكثر من علم ورأى أنه قد يبرز فيها كما كان شأن هؤلاء العلماء، فليمض في ذلك ولن يلومه أحد في ذلك، ولكن المسألة الهامة هنا والذي ينبغي أن يفهمه كل من يطرح مثل هذه التساؤلات بأن حجم العلم في تلك الفترة لا تُقارن أبدا بهذه الفترة الحالية حيث أشار العلماء إلى ما تم اكتشافه في هذه السنين الأخيرة في مختلف المجالات يوازي ما تم اكتشافه على مدى قرون وبالتالي يُصعب كثيرا في هذه الفترة التخصص في أكثر من مجال إذا أراد الشخص التميز.
تأمل مثلا في مجال الطب، في السابق كان هناك مثلا طب العيون وطب الأذن وطب القلب وغيرها، أما الآن ففي مجال العيون هناك عشرات التخصصات وفي كل يوم يتم اكتشاف شيء جديد وهكذا.
وقس على ذلك في المجالات الأخرى، ففي التربية مثلا، هناك تربية الأطفال والناشئة المراهقين والشباب، وحتى في مرحلة الأطفال، هناك تخصصات في كل سن لمعرفة احتياجاته وطرق التربية المناسبة له.
الموسوعية غير ممكنة في هذا العصر وبالتالي فالتركيز الذي نسعى إليه هو الطريق إلى التميز، وأيضا لا ننسى بأن هناك من التاريخ الإسلامي علماء مؤثرين تخصصوا وركّزوا على أمر واحد فقط وتميزوا فيها تميّزا شديدا والأمثلة أكثر من أن تُحصى.
نسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الرابعة والعشرون (التربية على التركيز)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التركيز) والتي نسعى فيه لبيان أهمية التركيز في حياتنا وكيفية الوصول إليه.
أريد أن أتحدث في هذه الحلقة عن أهمية التربية على التركيز منذ الصغر، فغرس القيم والصفات أسهل منه في الصغر عنه في الكبر، وهذا أمر معروف لدى علماء التربية. ومتى ما قام المربون بغرس قيمة التركيز الإيجابي في الجيل الناشئ، كانت النتائج أقرب إلى المطلوب بإذن الله تعالى، والمطلوب هنا هو جيل النهضة والبناء والإنتاج الإيجابي.
(العلم في الصغر كالنقش على الحجر) مقولة صحيحة إلى حد كبير، فلقد أثبت علماء التربية أن السنوات السبع الأولى في حياة الشخص هي أنسب وقت لغرس القيم والمبادئ، وهذا عكس ما يظنّه كثير من الناس والذين يظنّون أن هذه السنوات هي سنوات اللهو واللعب فقط. واللعب واللهو مطلوبان في هذه المرحلة ولكن يمكن أن يتحولا إلى تربية وغرس لكثير من القيم والمبادئ بدل أن يكونا مجرد ضياع للوقت.
وبما أن التركيز الإيجابي قيمة من القيم الهامة، فإن أنسب وقت لغرسه هو في هذه السنين المبكرة، ويكون بالدرجة الأولى بمعرفة ماذا يحب الطفل وبماذا يهتم، فإذا كان اهتمامه بشيء قيّم، يتم تشجيع الطفل على هذا الشيء وتنميته، أما إذا لم يكن شيئا ذا قيمة، فينبغي العمل على تغييره إلى أمر آخر بطريقة مناسبة. ودور القدوة في قضية الاهتمامات مؤثرة جدا، فمتى ما كان المربون يهتمون بأمور جادة، انتقلت هذه الأمور تدريجيا إلى من يربونهم والعكس صحيح في ذلك أيضا.
والمتأمل في حياة كثير من العظماء، يجد اهتمام أمهاتهم وآبائهم بهم منذ الصغر، فهذه أم الإمام مالك صاحب المذهب المالكي المعروف غيّرت اهتمامه تماما في الصغر بعد أن كان يميل إلى الغناء، فاشترت له ملابس العلماء وحبّبته إلى العلم، فكانت النتيجة أن خرج الإمام مالك للدنيا.
وكذلك فعلت أم الإمام الشافعي التي ربّته أفضل تربية وجعلت تركيزه على العلم. والأمثلة في التاريخ القديم والحديث أكثر من أن تُحصى.
الشيء المهم هنا والمطلوب من المربين هو توجيه تركيز الطفل إلى شيء مفيد ينفع به أمته في المستقبل سواء كان هذا الأمر شرعيا كالقرآن والحديث وغيره أو حياتيا كالعلوم المختلفة. وليعلم المربون بأن أي مساهمة إيجابية يقوم به هذا الطفل في المستقبل سيكون في ميزان حسناتهم بإذن الله تعالى، وهذا فضل كبير من الله تعالى.
نسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الأخيرة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
في كل مرة أريد أن أختم أية سلسلة أكتبها، أجد صعوبة كبيرة فيما أكتب وأختم به هذه السلسلة، فهل أطرح معنى جديدا تكون خاتمة لهذه السلسلة أم ألخّص المعاني الرئيسة التي طرحتها في السلسلة أم أكتفي بالدعاء والختام؟
في حقيقة الأمر، كل الأمور التي سبقت مستخدمة في مقالات الكتّاب والمفكرين وبالتالي فلا ضير أن أستخدم أي منها ما دامت تؤدي إلى تحقيق الهدف. وسأختار المنهج الثاني وهو تلخيص المعاني الرئيسة الواردة في هذه السلسلة كختام لها حتى تترسخ في الأذهان أكثر وأكثر.
أشرنا في الحلقات الماضية إلى معان كثيرة لعل أبرزها كانت:
  • تعريف التركيز وما تحتويه من معان مثل القدرة والتخطيط والتفكير وإمكانية أن يكون التركيز إيجابيا أو سلبيا.
  • ثم تحدثنا في عدة حلقات عن أهمية التركيز في كونه هام للإنجاز والإبداع والإدارة الناجحة للذات.
  • ولبيان أهمية التركيز كذلك، أوردنا أمثلة من التركيز في عالم الحيوانات والرياضة واهتمام الإسلام بالتركيز.
  • ثم تحدثنا عن خطوات عملية للتركيز مثل وجود القرار ووضوح الرؤية والأهداف وترتيب الأولويات والإصرار وطلب توفيق الله تعالى.
  • ولا بد لكل أمر من عوائق، وبالتالي تحدثنا عن بعض عوائق التركيز مثل عدم وجود رؤية وأهداف والتفكير السلبي وقبول أي أمر وبعض المؤثرات الخارجية التي تؤثر على التركيز.
  • ثم ختمنا السلسلة ببعض المواضيع المتعلقة بالتركيز مثل التخصص والتركيز، ومسألة الموسوعية والتربية على التركيز.

لا شك بأن موضوع التركيز موضوع هام للغاية ويحتاج إليه المسلمون إن كانوا يريدون العزة والتقدم والنهضة، إذ كيف يمكن النهضة بدون التركيز في المجالات المختلفة والعمل على تطويرها والإنتاج فيها حتى تدخل سوق المنافسة وتتفوق على المنافسين؟
أسأل الله تعالى أن أكون قد أضفت شيئا مفيدا للأمة الإسلامية ولكل مجتمع مسلم، وأن أكون ممن ساهموا في نهضة هذه الأمة. هذا وما كان من صواب وتوفيق فمن الله تعالى وحده، ومن كان من خطأ فمني والشيطان، وأسأل الله تعالى أن يغفر لنا خطأنا وجهلنا. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق